بولا ريجيا
الكاف- سيكافينيريا
تقع ولاية الكاف في أقصى شمال غرب الجمهورية التونسية، وتحدّها الجزائر من الغرب، ما يمنحها موقعًا استراتيجيًا هامًا عبر التاريخ. تُعتبر الكاف من أعرق الولايات التونسية، إذ تزخر بمزيج فريد من التراث التاريخي، العمق الثقافي، والجمال الطبيعي.
تتمتع الكاف بتاريخ عريق يمتد لأكثر من خمسة عشر قرنًا، حيث تُعد شاهدة على تعاقب حضارات متعدّدة منذ تأسيسها من قبل الأمازيغ. فقد عرفت المنطقة استيطانًا بشريًا منذ العصور الحجرية، وازدهرت خلال الحقبتين القرطاجية والرومانية، حين عُرفت باسم "سيكا فينيريا"، مدينة نابضة بالحياة جمعت بين الثقافتين الرومانية والأمازيغية، وما تزال آثار الحصون والمعابد شاهدة على تلك المرحلة.
وفيما بعد، توالت على الكاف حضارات أخرى كالعهد البيزنطي ثم العربي الإسلامي، الذي حوّل المدينة إلى مركز هام للعلم والثقافة، حيث أصبحت محطة رئيسية للقوافل ومركزًا لتأسيس المدارس والمساجد. وقد استمرت الكاف في لعب دور محوري حتى العهد العثماني، محافظةً على إرث حضاري متنوع يعكس ثراء تاريخها وتعدد روافدها الثقافية.
الكاف مدينة تنفرد بخصوصيتها التاريخية والثقافية، حيث التقت فيها الديانات السماوية وتعايش أتباعها في تناغم وسلام، من مسلمين ومسيحيين ويهود. وقد تجلى هذا التعايش في المشهد المعماري للمدينة، حيث تتجاور المساجد مع الكنائس والكنيس اليهودي، في صورة فريدة تجسد روح التسامح والانفتاح التي تميزت بها الكاف عبر العصور.
كما كانت الكاف من أبرز معاقل النضال الوطني ضد الاستعمار، إذ امتزجت فيها دماء التونسيين والجزائريين في معارك بطولية مشتركة، لعل أبرزها أحداث ساقية سيدي يوسف التي تبقى شاهدة على وحدة المصير والكفاح بين الشعبين الشقيقين.
تُعتبر ولاية الكاف من أبرز المناطق الفلاحية في تونس، لما تتمتع به من مقومات طبيعية استثنائية. فبفضل خصوبة تربتها، وتنوع تضاريسها، ومناخها المعتدل، توفّر الجهة بيئة مثالية لمختلف أنواع الزراعات والغراسات.
تشهد الولاية تنوعًا ملحوظًا في الإنتاج الفلاحي، حيث تنتشر زراعة الحبوب، الأشجار المثمرة، والخضروات، إلى جانب التوسع الكبير في زراعة الزيتون، الذي أصبح من أبرز الأنشطة الفلاحية بالجهة، مدعومًا بشبكة من المعاصر التقليدية والحديثة.
يساهم مناخ الكاف في توفير ظروف مثالية لغراسة الأشجار المثمرة والزراعات العلفية، مما يشجع على الاستثمار في مجالات إنتاج الفواكه، الخضر، وتربية الماشية، وخاصة في إنتاج الألبان.
وتزخر الجهة أيضًا بثروة مائية هامة، بفضل وجود عدد من السدود الكبرى مثل سد ملاڨ وسد صراط، وهو ما يعزز من فرص تطوير الزراعات السقوية، خاصة في مناطق مثل تاجروين وسيدي حمد التي تعرف توسعًا متزايدًا في المشاريع الفلاحية.
ولا تقتصر ثروات الكاف على الأرض والماء، بل تشمل أيضًا غطاءً غابيًا ثريًا، لاسيما في المناطق الجبلية التي تنتشر فيها غابات الصنوبر، والتي تُعد مصدرًا هامًا لإنتاج "الزقوقو"، وهو نشاط موسمي ذو قيمة اقتصادية عالية.
تتميز الولاية ايضا بمسلكها السياحي الثري الذي يطلق عليه ملتقى الحضارات لتفرده بجمع معالم الأثرية و التاريخية .
المكان | الوصف |
---|---|
القصبة | تعود القصبة إلى القرن السابع عشر، حيث بُنيت خلال فترة الحكم العثماني لتكون حصنًا عسكريًا يُشرف على المدينة ويحميها من الغزوات. كانت تُستخدم كمركز للمراقبة والدفاع، بفضل موقعها الاستراتيجي في أعلى نقطة بالمدينة، ممّا يوفر رؤية بانورامية شاملة. |
البازيليك | يعود بناء البازيليك إلى العهد البيزنطي، في القرن الخامس أو السادس ميلادي. كانت في الأصل كنيسة مسيحية شُيّدت في فترة كان للمسيحية حضور قوي في المنطقة، خاصة بعد تراجع النفوذ الروماني. |
زاوية سيدي بومخلوف | Cزاوية سيدي بومخلوف هي موقع ديني وتقليدي يقع في ولاية الكاف شمال غرب تونس. تُعرف الزاوية بأنها مكان للعبادة والتجمعات الروحية، وغالبًا ما ترتبط بالطرق الصوفية حيث يُكرم فيها أحد الأولياء أو الصالحين المعروفينandice |
الكنيس اليهودي | الكنيس اليهودي في الكاف، المعروف باسم **كنيس الغريبة**، هو واحد من أهم المعالم الدينية والتاريخية لليهود في المنطقة. يقع في مدينة الكاف شمال غرب تونس، ويعتبر شاهدًا على تاريخ الجالية اليهودية التي عاشت في هذه المنطقة لعدة قرون. |
الآثار الرومانية | تُعتبر ولاية الكاف غنية بالآثار الرومانية، ومن أهمها موقع ألتيبيروس الأثري قرب الدهماني، والحمامات الرومانية في قلب مدينة الكاف، بالإضافة إلى المسرح الروماني الذي يعود للعصر الروماني ويستخدم حالياً للفعاليات الثقافية |
متحف العادات والتقاليد | **متحف العادات والتقاليد بالكاف** هو متحف ثقافي يقع في مدينة الكاف شمال غرب تونس، يهدف إلى جمع وعرض التراث الثقافي والفلكلوري للمنطقة. يضم المتحف مجموعة واسعة من المعروضات التي تعكس الحياة اليومية، العادات، التقاليد، الحرف اليدوية، والملابس التقليدية لسكان الكاف والمناطق المحيطة بها. |
مائدة يوغرطة | مائدة يوغرطة هي واحدة من أبرز المعالم الطبيعية والأثرية في ولاية الكاف بتونس، وتحمل اسم الملك يوغرطة، الملك النوميدي الذي قاوم الرومان بشجاعة خلال القرن الثاني قبل الميلاد. تعتبر هذه المائدة معلماً طبيعياً وجغرافياً مذهلاً يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. |
الكاف: بلاد الفن
الكاف كانت وما زالت إحدى الحواضر الثقافية البارزة في تونس، وقد لعبت دورًا محوريًا في إثراء المشهد الفني والثقافي الوطني. فقد أنجبت هذه المدينة مجموعة من أبرز الفنانين والمبدعين الذين تركوا بصمتهم في مختلف المجالات.
صليحة
صلوحة بنت إبراهيم بن عبد الحفيظ، المعروفة باسم صليحة، هي مطربة تونسية وُلدت سنة 1914 في دشرة نبر من ولاية الكاف، وتوفيت في 26 نوفمبر 1958 بمدينة تونس. تميزت بصوت عذب يحمل بصمة بدوية واضحة، ما منح أداءها طابعًا خاصًا ومميزًا في الساحة الغنائية التونسية.

الموقع الأثري "بولا ريجيا"
تعتبر مدينة بولا ريجيا (Bulla Regia) موقعًا أثريًا رئيسيًا في شمال غرب تونس، وتقع بالقرب من مدينة جندوبة الحديثة. اسمها باللاتينية يعني "بولا الملكية"، وهو ما يعكس تاريخها كعاصمة للملك النوميدي ماسينيسا، الذي كان حليفًا للرومان.
فيما يلي بعض المعلومات الرئيسية حول بولا ريجيا:
- التاريخ: تعود أصول المدينة إلى العصور القديمة، مع وجود أدلة على مستوطنة يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد على الأقل. تأثرت لاحقًا بقرطاج ثم أصبحت تحت السيطرة الرومانية في عام 203 قبل الميلاد. وصلت المدينة إلى ذروتها خلال الفترة الرومانية، حيث أصبحت بلدية رومانية مزدهرة.
- هندسة معمارية فريدة: تشتهر بولا ريجيا بهندستها المعمارية الفريدة، وخاصة الفيلات الرومانية ذات الطوابق السفلية. هذا التصميم، الذي لا يوجد في أي مكان آخر في العالم الروماني القديم، كان على الأرجح طريقة ذكية لسكانها للهروب من حرارة الصيف الشديدة عن طريق العيش تحت الأرض. بُنيت المنازل من مستويين: فناء على مستوى الأرض ومستوى أعمق وأكثر برودة مع غرف وأفنية للمعيشة.
الآثار الأثرية: يحتوي الموقع على عدد من الهياكل المحفوظة جيدًا، بما في ذلك:
- المسرح: مسرح كبير ومثير للإعجاب لا يزال يستخدم للعروض حتى اليوم.
- الساحة العامة (المنتدى): المساحة العامة المركزية للمدينة، مع بقايا المعابد والسوق.
- الحمامات الرومانية: العديد من مجمعات الحمامات، بما في ذلك حمامات مميان وحمامات فينانتي.
- الفيلات: الفيلات الشهيرة تحت الأرض، مثل "دار الصيد" و"دار الزهرة"، والتي تتميز بفسيفساء مذهلة.
الفسيفساء: تشتهر بولا ريجيا بشكل خاص بمجموعتها الواسعة من الفسيفساء المعقدة والمحفوظة جيدًا. تم نقل العديد منها إلى متحف باردو الوطني في تونس، لكن بعضها لا يزال في مكانه في الموقع. يضم المتحف المحلي في الموقع أيضًا مجموعة من القطع الأثرية، بما في ذلك الفسيفساء والمقابر.
التدهور: تدهورت المدينة تدريجيًا في الفترتين البيزنطية والوندالية وتم التخلي عنها في نهاية المطاف حوالي القرن الثاني عشر الميلادي.
اليوم، تعد بولا ريجيا وجهة سياحية شهيرة وموقعًا أثريًا مهمًا يوفر لمحة رائعة عن الحياة الرومانية والنوميدية في شمال إفريقيا.